رئيس "المصرية لحقوق الإنسان" لـ"جسور بوست": القاهرة اتخذت إجراءات فعالة لتعزيز حقوق ذوي الإعاقة
حثّ الحكومة على الاستعانة بالمجتمع المدني لتعزيز نتائج الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
عصام شيحة: الحبس الاحتياطي تحوّل إلى عقوبة دون إدانة قضائية
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لم تحقق القدر الأكبر من المستهدفات رغم مرور 3 سنوات على إطلاقها
نتطلع لتوصيات ذات صلة بملفات أكثر حساسية في الحوار الوطني
على الحكومة مراعاة الأبعاد الحقوقية خلال عملية الإصلاح الاقتصادي
أحمد الطنطاوي محبوس بحكم قضائي.. ولا نعلّق على أحكام القضاء
التعددية والتنوع في الإعلام يمهدان لهامش أوسع لحرية الرأي والتعبير
يجب تعديل قانون العقوبات لمواءمته مع اتفاقية مناهضة التعذيب
انحياز الغرب لإسرائيل أهدر المصداقية وزعزع إيمان المواطن العربي بحقوق الإنسان
أجرى الحوار- سلمان إسماعيل
تتواصل مطالبات منظمات حقوق الإنسان في مصر بتعديل قانون الحبس الاحتياطي، إضافة إلى جملة من الأمور لتحسين وضع حقوق الإنسان لما يزيد على 100 مليون مواطن يعيشون على أرض مصر، بالتزامن مع الحوار الوطني الذي انطلقت أعماله العام الماضي، وبعد 3 سنوات على إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وعانت الدولة المصرية على مدار العقد الماضي في حربها ضد الجماعات الإرهابية التي انحسرت عن المشهد بعد مواجهات طويلة قدمت فيها قوات الأمن المصرية تضحيات كبيرة، كما هددت تلك الجماعات دور العبادة ومقرات وأكمنة أمنية، قبل أن تعلن القاهرة نجاح حملتها في القضاء على الإرهاب ودك آخر معاقله في شبه جزيرة سيناء.
وأدى الزلزال السياسي الذي شهدته مصر في عام 2011 وما أعقبه، مرورا بجائحة كوفيد-19، والحروب في أوكرانيا وغزة، إلى اختلالات في الاقتصاد المصري، عانى معها المواطنون وسط محاولات الدولة تطبيق مظلة حماية اجتماعية تشمل الفقراء ومحدودي الدخل، وإطلاق المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" لتحسين حياة سكان الريف.
رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، عصام شيحة، تحدث إلى «جسور بوست» حول واقع وتحديات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في مصر، والجهود التي تقودها المنظمة لتعديل بعض التشريعات الخاصة بإجراءات الحبس الاحتياطي والمواد المتعلقة بجريمة التعذيب في قانون العقوبات، واستعدادات مصر للاستعراض الدوري الشامل المرتقب نهاية العام الجاري.
عصام شيحة
في البداية.. ما الذي تغيّر في مصر منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في 2021؟
- إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان قرار تاريخي بكل المقاييس بالنسبة لحركة حقوق الإنسان المصرية، وهذا لأنه للمرة الأولي في تاريخ مصر المعاصر تضع الدولة خطة وطنية شاملة لمواجهة التحديات التي تواجه حقوق الإنسان والحريات العامة في مصر، وهذا يؤكد وجود إدراك سياسي واعتراف صريح بوجود إشكالية، وإعداد هذه الاستراتيجية بالتشاور مع المجتمع المدني كان خطوة بناءة أضافت لمخرجاتها النهائية من حيث الأهداف.
لكن ورغم مرور نحو 3 سنوات على إطلاق الاستراتيجية لم يتحقق القدر الأكبر من نتائجها المستهدفة بعد، وهذا يمثل تحديا لا بد أن تستعين فيه الحكومة بالمجتمع المدني ليدعم تبنيها سياسات تؤدي لتحقيق قدر أكبر من النتائج المستهدفة للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
ما تقييمك لمخرجات «الحوار الوطني» ذات الصلة بحقوق الإنسان؟
- حتى الآن لم يصدر عن الحوار الوطني توصيات ذات صلة مباشرة بحقوق الإنسان سوى مقترح إنشاء مفوضية مناهضة التمييز، ومقترح بتعديل قانون الجمعيات لتعزيز حرية واستقلال المجتمع المدني، وأعتقد أن هذه مخرجات مهمة، وننتظر أن يعمل كل من البرلمان والحكومة على تحقيقها، ونتطلع أن يصدر عن المرحلة الثانية للحوار الوطني توصيات ذات صلة بملفات حقوقية أخرى أكثر حساسية، لا سيما إيجاد بدائل قانونية للحبس الاحتياطي.
ما رأيك في توقيت رفع سعر رغيف الخبز المدعم وسط التحديات التي تواجه الفقراء ومحدودي الدخل في مصر؟
- التوقيت من منطلق حقوقي غير مناسب بالمرة، وإن كنت أتفهم ضرورته الاقتصادية، إلا أن سياسة الإصلاح الاقتصادي في مصر تفتقد في أبعادها البعد الحقوقي، خاصة في ما يتعلق بالسياسات التقشفية، لذا يجب أن تحرص الحكومة على حماية وتعزيز الحق في الغذاء والحق في الضمان الاجتماعي أثناء تنفيذها أي إصلاحات اقتصادية.
كيف تنظر إلى حبس المعارض أحمد الطنطاوي الذي أثار قلق عديد المنظمات الدولية؟
طنطاوي تم سجنه بموجب حكم قضائي، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان لا تعقب على أحكام القضاء، ولكن في الوقت ذاته، نجد أنه من الضروري أن تتوسع القيادة السياسية في ممارسة حقها الدستوري الأصيل في منح العفو الرئاسي للمدانين بأحكام نهائية على خلفية قضايا قد يرى لها البعض أبعادا سياسية.
حلت مصر في المركز الـ170 عالميا على مؤشر حرية الصحافة.. ما تعليقك؟
حرية الرأي والتعبير حق أصيل وقيمة تتعلق بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والمنظمة ترى أن المنظومة الإعلامية المصرية بتكوينها الحالي تفتقد القدر اللازم من التعددية اللازمة لخلق مناخ يسمح بقدر أكبر من حرية الرأي والتعبير، مع الأخذ بعين الاعتبار هامش حرية التعبير في الإعلام منذ 2019 والذي أصبح أوسع من ذي قبل، ولكن ما زلنا نتطلع لمزيد من التعددية والتنوع في الإعلام بما يمهد لهامش أوسع لحرية الرأي والتعبير، لا سيما حرية الصحافة والإعلام وتداول المعلومات.
- لقي إلغاء حالة الطوارئ في 2021 ترحيبا كبيرا من منظمات حقوق الإنسان.. لماذا لم تتم معالجة ملف الحبس الاحتياطي حتى الآن؟
إيجاد بدائل للحبس الاحتياطي أحد الأهداف المنصوص عليها في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والمسألة مطروحة أيضا للنقاش على جدول لجنة حقوق الإنسان بالحوار الوطني، ورغم ذلك لم تتخذ الحكومة أو المجالس النيابية أي مبادرات فعالة لمعالجة هذه المشكلة، لا أدري ما السبب بالتحديد، ولكنه أمر يسبب انزعاجا شديدا في الأوساط الحقوقية، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان تطالب بمعالجته، لأنه تحول من إجراء تحفظي إلى عقوبة يخضع لها المحبوس دون إدانة قضائية.
وإلى أين وصل مشروع المنظمة المصرية في ما يتعلق بالعقوبات البديلة للحبس الاحتياطي؟
- المنظمة أعدت مقترحا بتعديل بنود بقانون الإجراءات الجنائية لإيجاد بدائل الحبس الاحتياطي وتقليص أطر استخدامه من قبل سلطات التحقيق، وكذلك تقليص الحد الأقصى لتطبيقه، وتنوي المنظمة تقديم هذا المقترح للجنة حقوق الإنسان بالحوار الوطني فور انعقاد جلساتها حول الحبس الاحتياطي خلال الفترة القادمة.
- قدتم في المنظمة المصرية على مدار السنوات الماضية جهودا لتعديل المواد المتعلقة بالتعذيب في قانون العقوبات.. هل أثمرت هذه الجهود؟
للأسف لم تثمر مساعي المنظمات الحقوقية لتعديل تعريف التعذيب بقانون العقوبات ليتوافق مع التعريف المنصوص عليه باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب أي نتائج إيجابية حتى الآن، وتعديل المادة 126 من قانون العقوبات أمر ضروري، إذ ورد في توصيات الاستعراض الدوري الشامل التي قبلتها مصر، ومع ذلك لم تتم تلبية هذه التوصيات حتى الآن.
وعلى الحكومة المصرية أن تنفذ التزاماتها الدولية في هذا الصدد، ونتطلع لأن تتم إثارة هذه المسألة في أروقة لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، والمنظمة مستعدة لتقديم مقترحات واضحة للإصلاح التشريعي المطلوب تتماشى مع الدستور المصري والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
- يعاني ملايين الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر للحصول على حقوقهم نظرا لتعقيد إجراءات استخراج بطاقة إثبات الإعاقة.. ما البدائل التي تقترحها لتمتع هذه الفئة بحقوقها لحين استخراج هذه البطاقات؟
الحكومة في عهد الرئيس السيسي اتخذت إجراءات فعالة لدعم وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من حيث الخدمات والتوظيف، ولا بديل للتشغيل السليم لآلية بطاقات الخدمات المتكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة من أجل ضمان حماية حقوقهم وتعزيزها، ربما التشكيل الجديد لحكومة د. مصطفي مدبولي سيجد حلولا خلاقة لتذليل العقبات أمام التطبيق الفعال لهذه الآلية الحقوقية الوطنية المهمة، والمنظمة المصرية على استعداد للإسهام في إيجاد هذه الحلول إذا أتيحت لها الفرصة للقيام بذلك. خاصة في ظل التعاون المثمر مع وزارة التضامن الاجتماعي.
ما استعدادات المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بشأن الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مصر؟
نعكف في المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على إعداد تقرير ظل يقيم مدى التزام الحكومة المصرية بتطبيق التوصيات التي تلقتها خلال الدورة الماضية للاستعراض الدوري الشامل، والمنظمة في ظل حرصها على التعاطي البناء مع آليات المعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان تتبنى منهجية موضوعية وشفافة في إعدادها هذه التقارير، لتقديم رؤية وتقييم للوضع الحقوقي يتمتعان بالمصداقية. وسوف تسلم المنظمة هذا التقرير لسكرتارية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة خلال النصف الأول من شهر يوليو.
ما مدى التزام القاهرة بالتوصيات التي قبلتها في استعراض 2019؟
مصر تلقت ما يزيد على 350 توصية خلال الدورة الماضية للمراجعة الدورية الشاملة، قبلت منها نحو 270 توصية.. وقبول مصر غالبية التوصيات ظاهرة صحية رحبت بها المنظمة المصرية آنذاك.
ومن خلال ما رصدته المنظمة على مدار 4 سنوات، وجدنا أن الحكومة المصرية استجابت لعدد كبير من التوصيات خاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة والطفل وعدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولكن على الجانب الآخر هناك عدد من التوصيات لم تتم الاستجابة لها بعد، رغم قبولها من قِبل الحكومة، وسيوضح تقرير المنظمة الموجه لآلية الاستعراض الدوري الشامل الذي سيصدر خلال أسابيع ماهية التوصيات التي تمت الاستجابة إليها، وتلك التي لم يتم العمل على تحقيقها بعد.
وكيف تنعكس ازدواجية معايير الولايات المتحدة والغرب في ما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية على عملكم كمدافعين عن حقوق الإنسان؟
في حقيقة الأمر، الغرب من خلال تعاطيه مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني، أهدر مصداقية منظومة حقوق الإنسان الدولية، وزعزع إيمان المواطن العربي بمفهوم حقوق الإنسان، فمثلا عندما نعقد دورات توعوية للشباب حول موضوعات حقوق الإنسان، نتفاجأ بالمتدربين يسألون: عن أي حقوق إنسان تتحدثون؟ وأين حقوق الإنسان مما يحدث في فلسطين، وهذه أسئلة مشروعة لكنها تنعكس بشكل سلبي على فاعلية العمل الحقوقي في مصر.
لكن على الرغم من الازدواجية، فإن منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الفلسطينية والعربية والدولية هم حراس الضمير الذين كشفوا وفضحوا ووثقوا فداحة التجاوزات الإسرائيلية التي تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وترتب على ذلك تحرك قوي من قبل محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ولكن يظل النفوذ والهيمنة الغربية عائقا أمام تفعيل أي آلية دولية للضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وكذلك محاسبة المسؤولين عن ارتكاب هذه الانتهاكات الخطيرة.. ومع ذلك، لا نفقد الأمل في محاسبة الجناة في المستقبل ولن يفلت أحد من العقاب.